خلال أحد المداخلات حول ظاهرة المد والجزر، سأل أحد التلاميذ أين يذهب الماء عندما يتراجع؟ شكراً على مساعدتكم، وأعترف بأنني لم أكن قادرة على الإجابة.

يذهب الماء إلى "الناحية الأخرى" من المحيط. فنظراً لأن كمية الماء الكلية ثابتة إلى حد ما ونظراً لأنها سائل غير قابل للضغط (لا نستطيع تغيير حجمه بضغط الإناء الذي يحتوي عليه)، لذا فالماء لا يستطيع أن يختفي أو الظهور في مكان ما دون أن يحدث تغييراً في مكان آخر. وفي الواقع، بالنسبة لظاهرة المد والجزر، لا يعد الماء "مرتجعاً" لينتج الجزر، بل يتم اجتذابها في مكان آخر (على الساحل الشرقي للأمريكتين) وحيث أنه لا بد من توافر الماء لارتفاع المنسوب، سوف نأخذها من حيث لا يتأثر المحيط بشدة لجاذبية القمر والشمس. وفي هذا المكان ينخفض المستوى ويحدث الجزر. كما أنه حين يكون هناك مد في فرنسا، فإن سبب ذلك هو تحرك المحيط نحونا "تاركاً" الأمريكتين. فحينئذ يحدث لديهم الجزر. ومن هنا يتضح أن ظاهرة المد والجزر معقدة قليلاً نظراً لوجود "تأخر" و"تضخم" يرجع جميعها إلى جغرافيا السواحل التي تجعل إجابتي تقريبية جداً. ولا يبدو لي من السهل تنفيذ التجربة داخل الفصل. قد يتبادر إلى أذهاننا فكرة الأواني المتصلة ولكن "لرفع" المد يجب إنزال القمع، الأمر الذي يبدو متناقضاً...

الإجابة بسيطة إلى حد كبير، فحين يكون هناك جزر في مكان ما، يحدث المد في أماكن أخرى. وبصورة أبسط، يحدث المد حين يكون القمر في أعلى مكان في السماء (عند الجنوب) أو في الاتجاه المقابل (حيث لا يمكن رؤيته ولكنه في أعلى ارتفاع عند القطبين). وعلى العكس، يحدث الجزر عندما يكون القمر عند الأفق. وفي الواقع تبدو الحقيقة أكثر تعقيداً، حيث يحدث المد والجزر متأخرين بعض الشيء حيث يكون القمر قد تعدى هذه المواقع النظرية. غير أنه من الممكن ملاحظة أن القمر يكون عند الجنوب الغربي أثناء المد بما يعادل الـ ١٢ ساعة التالية. وبما أن التوقيت ليس متطابقاً في كل مكان في العالم، فإن موقع القمر يتوقف أيضاً على المكان الذي نوجد فيه. وهكذا، في وقت ما توجد دائماً مناطق بها مد وأخرى بها جزر. لذا فالماء الذي يتراجع يذهب بمنتهى البساطة إلى مناطق المد، فما هو إلا انتقال بسيط. ولتوضيح ظاهرة المد والجزر، يمكن الاستعانة بكرة مستديرة تقريباً تمثل سطح المحيط في غياب تقلبات القمر (والشمس التي تشارك في الظاهرة بنسبة الثلث). وبالضغط على الكرة باليدين بشكل دائري، نغير من شكلها لنعطيها إلى حد ما هيئة كرة الرجبي. وهذا هو تقريباً شكل سطح البحر، بتأثير القمر ( هذا مبالغ فيه حيث أن تغيير الشكل لا يبلغ سوى بضعة أمتار بقطر ٦٠٠٠ كم!!). ونرى جيداً أن النقص في أحد الجهات (حيث نضغط) قد ظهر في الجهة الأخرى (على المحور العمودي). وسوف نرى سواء المد أو الجزر وفق موقع القارات.

إن Fabienne فابيان محقة، فقد يكون هناك لبس بين الحركة المنفصلة للعنصر السائل وحركة الماء ككل. فقد يكون للماء، مثله مثل باقي السوائل، حركة جماعية على الأرض ككل حتى وإن لم تكن نفس الجزيئات هي التي تنتقل لآلاف الكيلومترات! فكل عنصر من العناصر السائلة لا تتحرك سوى لبضعة أمتار وتتقارب شيئاً فشيئاً، الأمر الذي يقلل بعض الأمتار من جهة ويرفعها من الجهة الأخرى. ولشرح ذلك للتلاميذ، يكفي جعلهم يقفون واحداً وراء الآخر، فإذا تحرك أحدهم بمقدار خطوة واحدة، فسوف تنتقل الحركة على طول الخط على مدى عشرات الأمتار علماً بأن كل منهم لم يتحرك سوى بمقدار متر واحد!

إنني أتساءل إن لم تكن هذه الإجابات توحي بأن الماء ينتقل خلال ٦ ساعات من أحد جوانب الكوكب للجانب الآخر... وهو أمر خاطئ بطبيعة الحال. فمن المؤكد أن موجة المد وسط المحيط تبلغ ٦٠٠كم/ساعة، ولكنها مجرد موجة، فهي ليست السرعة الأفقية لتنقل الماء. أما بالنسبة لتيارات المد، فهي تبلغ على أقصى تقدير ١٠ عقدة، وفي خلال ٦ ساعات بسرعة ١٠ عقدة لا نتمكن من الرؤية بعيداً. علاوة على أنها حركة متقلبة (حيث تمتلئ الأحواض وتفرغ). وفي عرض البحر يرتفع الماء ويهبط مشيراً إلى مرور موجة المد، وتقل التيارات (فأنا لا أعتقد أنه يوجد وسط الباسيفيك تيارات مد تماثل تلك التي نراها في نهر السين والتي ترتبط بالشكل المحلي). باختصار، ينتابني لبس شديد...